تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

فاز بجائزة كتارا للنقد الأدبي.. الناقد أحمد كريّم بلال يؤكد انتهاء عصر المحظورات الروائية

فاز بجائزة كتارا للنقد الأدبي.. الناقد أحمد كريّم بلال يؤكد انتهاء عصر المحظورات الروائية

المحظورات في الكتابة الروائية، شغلت فكر الكاتب والناقد المصري أحمد كريّم بلال طويلا، فشرع في رصدها وتتبعها في الروايات العربية، وفي الأثناء، قرأ دعوة من مؤسسة كتارا القطرية للباحثين والنقاد والمبدعين للمشاركة بأعمالهم.

لم يكن بلال قد انتهى بعد من دراسته النقدية، أو بالأحرى، لم يكن قد أبدعها، بينما كان آخر موعد للمشاركة في الجائزة قد اقترب من الانتهاء أواخر العام الماضي، فشعر بالإحباط، لكن الأمل تجدد حينما أمهلت إدارة الجائزة المتقدمين شهرا ليتقدموا بأعمالهم فسارع لإنجازها، لتعلن لجنة التحكيم فوز دراسته (سقوط أوراق التوت، المحظورات في الكتابة الروائيّة – دراسة نقدية تطبيقية) عن فرع الكتابات النقدية.

وأحمد كُريّم بلال، كاتب وناقد مصري، ولد عام 1974، وتخرج في كلية دار العلوم القاهرة، حصل منها على درجتي الماجستير والدكتوراه.

له تسعة مؤلفات في النقد الأدبي، وشارك في العديد من المؤتمرات النقدية بمصر وبغيرها من الدول العربية، وفاز بعدة جوائز في النقد الأدبي، من أهمها: جائزة الطيب صالح في النقد الروائي عام 2011، وجائزة مجمع اللغة العربية بالقاهرة في الدراسات الأدبية عام 2013.

الجزيرة نت التقت الناقد عقب فوزه بالجائزة، وسألناه:

بداية، ما أهم المحظورات في الكتابة الروائية العربية، بحسب ما توصلت إليه الدراسة؟

المحظورات كثيرة ومتعددة -بطبيعة الحال- ومنها ما يحظره الدين أو القانون أو الأعراف الاجتماعية.. إلخ، لكن الدراسة تناولت الرؤى السردية التي تقدمها الروايات العربية فيما يتعلق بالممارسات الجسدية على وجه الخصوص، باختلاف أنواعها المحرّمة والمباحة، والفطرية والشاذة.

وجدير بالذكر أن الروايات تتفاوت في تناولها لهذه القضايا من حيث الرؤى التي تحملها والانتماءات الفكرية التي ينتمي إليها كاتب الرواية، وقد يراد من التعبير عن هذه الممارسات ما تعنيه بأبعادها النفسية والاجتماعية، وقد يراد لها أن تكون مداخل للتعبير عن قضايا إنسانية كبرى تتعلق بالتفاعلات الحضارية، أو الأزمة الروحية والعقائدية، وقد تكون مدخلا رمزيا للهجاء أو النقد السياسي.

هل اختلفت المحظورات في الروايات العربية على مدى تاريخ تطورها؟

قضية (الممارسات الجسدية) مطروحة في الأدب منذ فجر التاريخ، فهي مرتبطة بالفطرة الإنسانية، والأدب -بطبيعة الحال- معنيُّ بكل ما هو إنساني، لكن وسائل التعبير تختلف تماما وفقا لطبيعة العصر والمتاح من حرية التعبير والقدرة على المواجهة.

لقد كانت هذه القضية مثلا مطروحة في رواية زينب (1912) لمحمد حسين هيكل التي كُتبت منذ أكثر من مئة عام، لكن تناوله لها ظل محفوفا بالحذر من ناحية اللغة ومن ناحية المضمون، والأمر مختلف تماما مع الروايات الحديثة، إذ أصبحت هذه القضايا مطروحة بقوة، وبشكل صريح على مستوى اللغة، بل وعلى مستوى القضايا الخطيرة التي لم يكن الروائي القديم يجرؤ على الخوض في غمارها بهذا الشكل، مثل (قضايا الشذوذ الجنسي).

بعض الروايات الآن أصبحت تتناول هذه القضايا دون أي خجل أو حياء، بل وبتجاوز شديد، صحيح أن بعض الروايات تطرح هذه القضايا باعتبارها مرضا اجتماعيا خطيرا ينال من كرامة الإنسان وينتهك هويته المسلمة العربية، لكن عددا لا يستهان به من الروايات يتبنى الموقف الغربي الذي يعتبر هذه  الأمور من قبيل الحرية الشخصية وحقوق الإنسان!

ماذا يعني عنوان كتابك: (سقوط أوراق التوت)؟ وما الداعي له؟

قصدت من عنوان (سقوط أوراق التوت) التعبير عن انكشاف العورات، وجرأة الروائيين في تناول مثل هذه القضايا، وأنا أميل إلى استخدام العناوين المجازية في كتبي النقدية مع وجود عنوان فرعي يبين  قضية الدراسة، وقد كتبت من قبل كتابين بعنوانين مجازيين أيضا هما (بوابة الريح والنخيل)، و(خرائط الجنوب)، وأنا أرى أن مثل هذه العناوين تكسر من حدّة اللغة النقدية، وتحاول جذب القارئ للكتاب.

كيف سقطت أوراق التوت بحسب الدراسة؟

سقطت أوراق التوت عندما بلغت بعض الروايات مبلغا كبيرا من الجرأة في الحديث عن القضايا الجنسية من حيث الموضوع وطبيعة التناول ولغته.

كيف يمكن أن ينتصر الروائي لأمنياته المستحيلة في روايته ليحقق ما عجز عنه في الواقع، وما علاقة ذلك بكسر المحظورات؟

الحقيقة أن هناك دوافع نفسية تقف أحيانا من وراء الكتابة، فقد يكون الإفراط في التعبير عن المحظورات الجنسية في الكتابة الروائية تنفيسا عن أحلام مكبوتة يعاني منها الأديب، فالدافع الأول للكتابة -من وجهة نظر الكثير من الروائيين- تحقيق الشغف الذاتي والمتعة.

هل لا تزال المحظورات حاضرة طوعا أو كرها في ذهن الكاتب عند كتابته عمله الإبداعي؟

لا مجال الآن للحظر، ولا مكان للمحظورات، فالفضاء الإلكتروني أطلق العنان لكل شيء، وتجاوز صعوبات النشر ومقصَّ الرقيب، لذا فالمحظورات تظل عرفا دينيا واجتماعيا خاضعا للرقابة الذاتية في المقام الأول والأخير، ولا بأس عندي من تناول الأديب لأي قضية بحرية تامة، إذ الأمر لا يتعلق بالموضوع، ولكن يتعلق بطبيعة الرؤية، وكيفية التعبير.

ما الصعوبات التي واجهتك أثناء تحضير الدراسة؟

الكتابة عن الرواية صعبة جدا من حيث التحضير، فلكي تعد دراسة جادة ومحكمة لا بد أن تقرأ عددا كبيرا جدا من الروايات، وتتفرغ للكتابة، وثمة روايات تتجاوز ستمئة صفحة، فلو كنت ستعمل على ثلاثين رواية مثلا فكم تستغرق من الوقت لقراءتها قراءة فاحصة مدققة، وكم ستحتاج من الوقت لقراءة المراجع وللكتابة…، لو لم أكن قد خصصت وقتا كافيا وتفرغت تماما، لما استطعت إنجاز هذا الكتاب بين المشاغل المتعددة التي تزدحم بها الحياة.

ومن الصعوبات التي تخوفت منها أيضا كون هذا الموضوع شائكا وخطيرا، وأنك معرَّض للاتهام بالتعاطف مع بعض الروايات المتجاوزة لكونك تكتب بحياد وموضوعية، وأزعم أنني استطعت تجاوز هذا الأمر فمن يقرأ الكتاب سيعلم أن تناول الناقد لبعض الروايات المتجاوزة لا يعني بالضرورة تأييده لقضاياها، وأن الإسفاف اللغوي الذي مارسته كتابات روائية لا يفرض على الناقد الكتابة بإسفاف مماثل.

المصدر: موقع الجزيرة