جاء إلى الدنيا مقاتلا دفاعا عن الذي مر بهم وعرفهم أو مشوا معه وحاوروه في تلك القرى والمدن، عن كل من يعيشون في هذه المساحات التي طار فوقها بهيليكويتير، وبلاتينوف بلاليوشن كل من رأهم يرشفون الشاي في المقاهي ويحتفلون بأعياد الميلاد ويهمسون بالنجوى إنه العميد أركان حرب ابراهيم الرفاعي مؤسس وقائد مجموعة 39 كتاب هذه المجموعة الاستثنائية في تاريخ العسكرية المصرية والتى قدر للمؤلف أن يقترب منها ويعايش أفرادها وأعمالهم القتالية عن قرب في فترة استثنائية عن هذه الرواية.

تمثل المغامرة الإبداعية لجمال الغيطاني واحدة من أخصب المحاولات الأدبية التي قام بها عضو بارز من جيل الستينات وقد قام بها أديب جسور لم يقنع بتبني الأشكال الأدبية التي ورثها عن أسلافه ولكن بعد بداية تقليدية—وان كانت لفتت الأنظار منذ ألف عام ألقى بنفسه في محيط التجريب الزاخر بالأخطار والتيارات العاصفة.
ستظل (( رسالة البصائر في المصائر )) من أبرز الأعمال الأدبية في الثمانينات التي أبرزت التحولات الكبرى في المجتمع المصري نتيجة الانفتاح الاقتصادي المشوه وفي قطاع من المجتمع العربي نتيجة الثروة النفطية بدا الغيطاني الرواية بهذه العبارة الدالة (( ماشاء الله كان )) لكن تبقى (( حاشية )) لو قلدنا أسلوب المؤلف تتضمن سؤالا واحدا ترى كيف الخروج مما نحن فية يؤكد الغيطاني في هذه الرواية أن الأدب العظيم يفجر من الأسئلة أكثر مما يقدم من الأجوبة.

“السيد ياسين”

يقدم الغيطاني في (( هاتف المغيب )) تجربة خصبة تدرب لها خيالة طويلا بمعايشة مستمرة لألف ليلة وليلة وكتب غرائب المخلوقات مما يجعله يتجلى كوريث حقيقي لثروة كبرى من الفانتازيا البشرية عامة والمصرية بصفة خاصة .
إن الملمح البارز في هذه الفانتازيا يتمثل في أريج مصر الفرعونية اللتي يفوح منها فلا نحسب أن هناك شعبا من شعوب الأرض أمضى ولايزال آلاف الأعوام في ممارسة عمليات تحويل البشر إلى آلهة مثلما فعل الشعب المصري مما يضعنا عند منطقة جديدة من الفانتازيا السياسية التي تتجلى في (( هاتف المغيب )) وتمثل موروثا مصريا حميما ينحدر إلى جمال الغيطاني من أغواره اللاشعورية العميقة ……

د صلاح فضل

رسالة في الصبابة والوجد عنوان اختاره جمال الغيطاني لعملة الفني : ليدل منذ ما قبل الكلمة الأولى على عمق ارتباكه بتراث أمة ومنهجها في القص وطريقتها في التعبير عن مكنون تجاربها وبخاصة التجارب الوجدانية الصادرة عن خبرة شخصية مباشرة إن هذه الاشارة الدالة تكاد تميز الغيطاني بين ادباء جيلة .

د محمد حسن عبدالله

يطرح مشروع الغيطاني قضايا تحتضن النص الأدبي وتتجاوز عنوانها أزمة الحداثة القائمة وأزمة البحث عن حداثة مغايرة ففي مقابل حداثة اجتماعية زائفة تلغي (( الذات )) وهي تنفتح على (( الآخر )) هجس الغيطاني بحداثة أخرى تذهب إلى الذات الوطنية قبل أن تتوسل الآخر وتوقف على أعتابية في مقابل حداثة أدبية تستقيم تارة وتنحي تارة أخرى.
سعى الكاتب إلى أرض خاصة به يحاور فيها نموذجا لا يغترب عنه أو أسلويا لا يتعصي عليه ومنظورا انيسا منذ كان صبيا وقد تبدو رحلة الغيطاني وقد صاحبتها الأزمنة للبعض متكلفة ومليئة بالغموض تكتب ما كتب وتستقدم ما لا حاجة إليه وما يقول به هذا البعض خاطىء وجانب الصواب.
فالغيطاني يحاور الماضي بمعرفة من الحاضر اي أنه ينظر إلى الماضي وهو زمن محدد ومحدود بزمن لاحق أكثر اتساعا وتعقدا الشيء الذي يجعله يكتب الماضي ولا ينغلق فية (( د . فيصل دراج )).

كنت حزينا , كمدا , الجرح مازال طريا ساخنا ينزف بداء بعد رحيل والدي بغتة وانا بعيد قلت له أنني لم أستوعب بعد أبي المباغت انني لن أراه مرة أخرى أبدا لن القاه مرة اخرى
قال : من يدرينا يا جمال كما أن المادة تتحول إلى أشكال أخرى ربما يتبقى الوى بشكل ما اين لنا نقطع باستحالة اللقاء ؟

إن خطط الغيطاني كتجربة متميزة في الكتابة الروائية العربية ولقطع دابر التشكيك في تعدديتها ولمجاوزة الاستنساخ والتقليد للسرد التراثي فتحت كوى جديدة في أنفاق المسار الروائي العربي ودشنت قنوات للحوار مع فنون مجاورة ( فن العمارة هندسة المدن ) على قدر كبير من النضج والأهمية وبفرادة غير مسبوقة في كتابة الرواية.

أي كتاب هائل هو كتاب التجليات هو كتاب يحكي لنا من أسرار الحياة قدرا عظما إنه عمل أدبي خطير يستخدم فيه الكاتب أسلوبا له مذاق خمر جاءت قبل أن تخلق أشجار الكرم.
أحمد بهجت .

(( أين سيرك )) سألته إحداهن، زانية في الأربعين من عمرها ممتلئة الجسد والنهدين كانت نحيفة الوجة وشفتاها بلون الرمان حمراوان شعرها منثور أسود ترتدي ثوبا قروي الألوان والرائحة أصابعها دقيقة موشومة بأزرق كما بين عينيها وتحت شفتيها نقطة داكنة الزرقة فوق جبينها وثلاث تحت امتلاء شفتيها ..
(( لم أبدء سيري بعد )))) قال ينظر إليها يتحقق منها
(( ولكنك تسير )) قالت تبتسم
(( ربما , ولكنها لطريق لا أراها ليس بعد ))
(( أرى طريقك خلفك . تلاحقك ..
(( أعلم .ولكنها للأن لم تصل ..)) قال يتململ في جلسته يحاول يخفي ضيفته
أمسكت يده تنظر أمامه معه
(( سيطول سيرك )) قالت تهمس وقد اقتربت بوجهها حتى كادت تلامس وجهه وسبعا من السنين ستكون أمامك وأخريات مثلها خلفك ….
لاتدع الأرض تتوقف ترتجف تحتك لاتدعها تتوقف أمامك و((الشمس والقمر )).

كنت أصعد تلك الدرجات صاخبا فرحا غاضبا جذلا محبطا ثائرا شفيفا عطوفا متلهفا هزيلا قويا مهزوما طموحا، وصعدوا إلى مثل أرواح تلهو بالحياة فتستسلم لهم.

رواية من نوع آخر فهي رواية (( أفكار وشخصيات )) بالدرجه الأولى.

كما قال عنها المستشرق الانكليزي “دنيس جونسن ديفز” ولكن الأهمية فيها متأتية من تصوير الشخصيات ومن تقديم الأفكار والمواقف والشيء الذي يجعل هذه الرواية عملا أدبيا بارعا هو قدرة الكاتب على تكديس جميع هذه الشخصيات والأفكار والمواقف في بوتقة صغيرة وجعلها تتحرك في مختلف الاتجاهات رغم أن واحدا من هذه الشخصيات لايشبه الآخر شبها كاملا، أما كيف ينتقل الكاتب من فكرة لآخرى دون علاقة ظاهرة فذلك دليل أخر على براعته(  عبدالرحمن  لؤلؤة).

وفي الصميم نحن وحيدون حياتنا أشبه بالعلب الصينية علبة داخل علبة – وتتضاءل العلب حجما الى أن نبلغ العلبة الصغرى في القلب منها جميعا، واذا في داخلها لا خاتم ثمين من خواتم ابنة السلطان بل سر أثمن وأعجب الوحدة، وهل كانت بي حاجة إلى أن أقتلع من جذوري ويقذف بي بين الحوافر والبراثين بين لواهب الصحراء وزعيق المدن البترولية لكي أعرف ذلك ؟ القماشة عريضة والسواد فيها كثير والبقع قليلة متباعدة، الطالبة الهاربة من أبيها إلى القبور لتقابل حبيبها لحظتين رهيبتين أضاءت في سواد القماشة، وأعود إلى الأم كالألم الصلب في مأساة تتجدد فيقولون عني انحطاطي ماكر يناقض نفسه يعبد القرش ماعادت أرضه تعني له شيئا، كأنهم يريدونني أن أحمل حفنة من ترابها في كيس من ورق في جيبي دليلا على المي وانا احمل صخورها البركانية الزرقاء كلها في دمي في العلبة الصغرى التي في قلب العلب كلها مع وحدتي ووحشتي “كلنا وحيدون”.

يختصر نبض المدينة عبر الزمن ومن رحمه خرج  اسماعيل محسن ليجد نفسه مجند للقتال في العراق ومن ثم مطلوبا بصفته ارهابيا يتبع تنظيم القاعدة ومثلما كان آل العزام ملاذا لأهله الذين خدموهم لسنين طويلة، سيجد اسماعيل ملاذه عند عبدالكريم وريث آل العزام العائد من باريس مفعما بالعشق ووحيدا يقتات ذكرى حبه عبر اسطوانات الموسيقى والأغاني، والعناية بأشجار الليمون القزمة التي أودعتها حبيبته لديه دون أن ينسى يوما طعم التفاح المغطس بالسكر الذي أطعمته إياه انتصار والدة اسماعيل عندما كان طفلا وزار حي الأميركان.

على هويته لا دين له، مسلم بالنسب، مسيحي بالعمادة، منذ دخل نظام بستان توما ورخيمة في حوراء أحباه وتبنياه من دون أن يتمسك به أبواه  ليتعلم الحقوق في بيروت لكنه لم يطق مقاعد الدراسة فراح يكتشف بيروت على هواه، شقته التي استأجرها صارت تجمعا لرفاق التنظيم الشيوعي، أحب جنان وصار يتسلل إلى عملها حيث لوحاتها بالرمادي والأحمر القاني كأنها مرايا المدينة، انفجرت بيروت دفعة واحدة رأى القتلى مكدسين أمام عينيه،  شقته تحولت إلى متراس للمسلحين وخلت ساحة البرج إلا من نصب الشهداء.

ايليا الكفوري كان لايزال طفلا حين قتل والده في المجزرة التي ارتكبت في كنيسة قريته برج الهوى، ارتاءت والدته أن تقي شر الشائعات والأقاويل فسفرته إلى عند أقاربه في أمريكا وعاش منزويا في بيته أمضى وقته في المهجر يخترع قصصا عن جذروه إلى أن قرر بعد سنوات العودة إلى لبنان بحثا عن هويته وهناك يروي له أشخاص عاديون وقائع المجزرة كلا من زاوية مختلفة.

اختار جاسم المطير أسلوبا خاصا في هذه الرواية وقد أدهشتني سرعة نجاحي في إمكانية الوصول إلى ما أراد محققا فن تحويل الرسائل الشخصية إلى عمل روائي تتجلى فيه اللوازم الفنية حيث تجربة عميقة ( عبدالرحمن منيف ).