تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

«قلب الإسباني».. الروائية الجزائرية جميلة طلباوي تبحث عن الوهم والمستحيل

«قلب الإسباني».. الروائية الجزائرية جميلة طلباوي تبحث عن الوهم والمستحيل

تنحو الكتابة الروائية أحيانا مسارا نحو التاريخ بلغة أشبه بالإنسان، حيث الفرح يرتبط بلحظة متوجة في الزمن كشرط للاستعادات المستحيلة، فيمتلئ الوجدان بكاء جماليا عميقا في الفرح، لكن بوجه مأساوي، يستعيد التاريخ من غرفة إنعاش بعيدة لعله يرمم فراغات الراهن التي تواجه مصائر شبيهة بتلك التي امتلك فيها الوعي التاريخي العربي زمام مبادرة ممكنة، لكن عبثه بأحجار رقعة الشطرنج الوجودية رجّ استقرارات الممكن، ومنح اللاممكن المستحيل فرصة استعادة أنفاسه الجغرافية والثقافية، مكرسا وجوده فعليا في الواقع والتاريخ.

ورواية «قلب الإسباني» للروائية الجزائرية جميلة طلباوي كحكاية تمثل النص الأول لكنها ترتبط في نصها الجمع بالذاكرة، التي تتفجر من بؤرة العنوان، مسار الحدث والتناص الشفيف مع سرد القرآن القصصي في خلاف ابني آدم.

تنطلق الرواية من ذلك الندم الذي يعتصر «أيوب» وهو يرى أخاه «عبد النور» العائد من إسبانيا ينفلت من بين يديه، متساقطا على طاولة زجاجية، فيتهشم رأسه لافظا أنفاسه الأخيرة، أو هكذا تراءى لأيوب، تلك هي لحظة التهشيم السردي الذي يتوزع مسارات الذات، وهي تلتقط أنفاس تاريخها المعلق على جغرافية بعيدة، يفصلها بحر الاستعادات المستحيلة، هل يمكن أن نسترجع الأندلس؟ ذلك سؤال الذات، كلما رنّ جرس لأندلس في حكاية أو سطر شعري أو ملحمة يرددها حكواتي. تأتي كل هذه النصوص من أجل أن تكرس جماليا تلك الحقبة في الوعي، كاستمرار سردي يزرع في الذاكرة ذلك الندم التاريخي، والفواصل المنتجة للحياة في تدفقها التواصلي مع الاختلاف. إن ندم «أيوب» يمثل اللحظة المأساوية في افتراق المسارات، وانبثاق الفقد كشبح مهول يهدد الهوية الوجودية برمتها، هوية تلاشت مع الكثير من التفريط في مكتسبات حضارية، أنجزتها اللحظة المنتصرة في الوعي، والقابلة لميكانيزم الاختلاف والوعي الناهض في الكينونة.

تستعير الروائية شكل الصراع في بنية الدلالات المضمرة للمعنى القار في «السْبَلْيوني» ـ (الإسباني) باللهجة المغاربية – لتفتح أقواس التشظي في المفهوم في مجال الوعي الشعبي، لذلك تنطلق الرواية من المكان الصحراوي، من مدينة «بشار» جنوب الجزائر، وهي مكان ميلاد الروائية ذاتها، ولعل العنوان كان يكون أكثر دلالة لو أتى بصيغة اللفظ المتعارف عليه شعبويا، أي «السبليوني»، والذي تتعدد الدلالات فيه لتسقط على كل من له سلوك فوضوي غير منضبط، أيضا «السبليوني» هو ذو العينين الخضراوين، وهو أيضا المحتل لـ»وهران»، المدينة الواقعة غرب الجزائر، لمدة قرنين من الزمان، و»السبليوني» هو المستقر في الوعي الثقافي والتاريخي، كإحالة إلى الأندلس الحاضرة في غياب استحالة استرجاعها.
الانطلاق من الصحراء، هو العودة المجبرة على تنظيف الهوية والاعتراف بالفضاء الذي انطلقت منه هوية الانفتاح على العالم، الصحراء هي المدخل إلى الوعي بالأندلس، ولا تستثار الهوية في العودة المظفرة لرحيق التاريخ صوب المكان، سوى في تجسير العلاقات، وتمثيلها في مستويات معرفية جمالية لا تتحقق إلا بسردية حكائية، تلعب وفق صيرورات الخيال التي تتمعلم في المكان والهوية والتاريخ والفضاء الشعبوي المنتج للحكاية، وفق توهج الوجدان ورشاقة الكلام.

المصدر: صحيفة القدس العربي


أضف تعليق