تخطي التنقل

لقد تم فتح باب الترشح في مسابقة كتارا للرواية والفن التشكيلي.

«سجين الزرقة» رواية جديدة لشريفة التوبي تنحاز للجوهر الإنساني

«سجين الزرقة» رواية جديدة لشريفة التوبي تنحاز للجوهر الإنساني

اعذرني يا حبيبي، إن كل ما تقرأه قد فات أوانه، أو أتاك متأخرا، لقد بت سجينة تلك الأيام التي قضيتها معك، تجربة الأمومة الأولى التي أتت كتجربة عمر بأكملة».

بهذه الكلمات تخاطب الأم ابنها الذي لم تستطع أن تقترب منه لسنوات طويلة، وهي تحترق شوقا لرؤيته، وتضع كل لهفتها في رسالة مطولة يستعيدها راشد من خلال مجموعة أوراق تسلّمها من رجل لا يعرفه وهو يغادر بلده لبداية جديدة ونهاية لزمان لا يريد له أن يعود أو يتذكره. تحكي الرواية الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» بعمّان، بعنوان «سجين الزرقة» للروائية العمانية شريفة التوبي عن قضية مجهولي النسب، والموقف الاجتماعي من هؤلاء الأبرياء الذين يدفعون فاتورة وجودهم للحياة دون أن يكون لهم يد في ذلك.

وهي مشكلة اجتماعية يتحمّلها إنسان لا ذنب له، ولم يختر حياته، يدفع طوال حياته ثمن نزوة أو خطأ لاثنين لم يفكرا فيما يمكن أن يكون عليه، وهي ظاهرة كبيرة وخطيرة لأنها تمثل ألغاما موقوتة بالنظر للنسب والأعداد المتزايدة في المجتمعات العربية، وفي بعض الدول العربية تقدر الأعداد بحسب الإحصائيات السنوية بعشرات الآلاف. تسرد الروائية التوبي الأحداث بلغة تقريرية سلسة، وأحيانا بتوصيف رومانسي، ولا تتوقف عند الموضوع بوصفه مشكلة اجتماعية فحسب، بل تناقش القضية من وجهة فلسفية وإنسانية بوعي الشخصيات التي لا تستسلم للواقع الذي يرفضها ولا يعترف بها، بل تكافح لإعطاء معنى آخر للحياة.

تتعرض الفتاة القاصر شمسة لاعتداء من زوج أمها، وتحمل بطفلها سفاحًا وهي على مقاعد الدراسة، ويحكم عليها بالسجن، ويفتح المولود عينيه في عتمة السجن، ثم ينتقل لدار الأيتام، ويكافح للنجاح في الدراسة، وينخرط في العمل، وهنا تبدأ الصدمة التي تطحنه وتفجر رأسه بالاسئلة عن اسمه وعائلته. وتتعمق المأساة حينما يتعرف على الأنثى التي يرى فيها الحبيبة والأم في آن معًا، ويقف أمام الأبواب المغلقة التي يسدها المجتمع في وجهه بالصمت المريب والنظرات التي تمزق جسده وروحه.

من مناخات الرواية، يقول راشد: «لم تكن عاطفتي لمريم مجرد تجربة، فأنا لم أكن بحاجة للتجارب، ولم أكن بحاجة لأن أختبر عاطفتي في علاقتي بها، ولم يكن انتقامًا لمشاعر مهزومة داخلي في شوقي لأمي، كنت بحاجة إليها بمقدار حاجتي لأن أحيا حياة طبيعية كباقي البشر» .

ولم يكن أمامه سوى الاستجابة لإلحاح صديقه سالم الذي عاش وأياه في دار الأيتام بالسفر لأميركا، وكان سبقه إليها، وقال له: «هنا لا يسألون من أنت، وابن من، ولمن تنتمي»، فيقرر السفر بعد أن تلقى الصدمة الثانية من والد حبيبته التي ذهب لخطبتها فلم يسمع سوى الصمت ولم يقابل سوى بالخذلان والنكران.

المصدر: صحيفة الدستور الأردنية


أضف تعليق