تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

«حائط الصفصاف».. من صرخة الولادة إلى شهقة الموت

«حائط الصفصاف».. من صرخة الولادة إلى شهقة الموت

قدّم الروائي الأردني طاهر العدوان في رواية حائط الصّفصاف مادة تسجيليّة توثيقيّة، في مشهد من السّردِ الرّوائي الرّاقي، يكشفُ من خلالها عن تغيّرات الواقع الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسّياسيّ، ويُقدّم حالة من الوحدة الجغرافيّة والسّكانيّة القائمة بين الأردن وفلسطين، وقد جعل من شخصيّات الرّواية مزيجًا طاغيًا من البيئتينِ الأردنيّة والفلسطينيّة، هذا بالإضافةِ إلى المصريّة واللبنانيّة اللتانِ تعيشانِ كأقليّة في كنفِ البيئةِ الأردنيّة، وتتحدّث الرّواية عن التّغيراتِ الّتي طرأت نهاية حقبة الأربعينيّات خاصّة بعد حرب فلسطين إلى نكسة حزيران..

وتحمل الرّواية تصوّرَ الكاتبِ عن هذه المرحلة، وتوظيفها توظيفًا فنيًا، حيثُ الوحدةُ العربيّة، والتّعدديّة الحزبيّة الأردنيّة، وأجواء من النّضوجِ الفكريّ لا سيّما السّياسيّ والتّطور الحضاريّ خصوصًا العمرانيّ، كما تناولتْ مشكلةَ همومِ عددٍ كبير من الفلسطينيين وهموم أقلّية من اللبنانيين والمصريين، الّذين يرزحون في الأردنِ تحت وطأة العودةِ والأمل، وفي أنفسِهم حنينٌ دائم وجارف إلى أرضهم ووطنهم.

الرّواية امتزجَ فيها التّاريخ بالخيال، إذ تستحضر جانبًا من العلاقةِ الأردنيّة ـ الإنجليزيّة التي انتهتْ بالاستقلالِ، ومن ثمّ تعريب الجيش، وتطرّقت إلى العدوان الثّلاثي على مصرَ وإعلان الوحدة بين مصر وسوريا وانتهاءً بالانفصال، مُجسّدةً في ذلك صدمة وخيبة التّوقع، بأسلوب فنّي سائغ.

وتعتمد بنيةُ الرّواية على تناسلِ الحكاياتِ وتوالدها، وهو ما أعطاها طابع التّشويقِ والإثارة، ما يُمكن أن أُسمّيه بالنّزوعِ القصصي القصير داخل الرّواية، وعلى الرّغم من أنّ الكاتب يستخدم تقنيات فنيّة متعددة في روايته، من مثل تقنية القطع والتّذكر والتّنقل من حكايةٍ إلى أُخرى والحوار والتّعدد اللغويّ الذي بدا واضحًا بتعددِ الأصواتِ السّاردة وتذويب الكتابة، إلا أنّه اتّخذّ في الوقتِ ذاته من التّاريخِ مادة للسّرد، مما من شأنه أن يُقلّل من فنّيّة الرّواية، فقد أومأ إليه بالتّلميحِ تارةً وبالتّصريحِ طورًا، يدسّهُ في تلافيفِ مفاصل الرّواية، إذ أنّ من السّهلِ على القارئ العادي الإحاطة بمعظمِ مُجريات الأحداث، من غير أن يحتاجَ إلى كبيرِ عناءٍ لاستظهارها، ولا يتطلّب التّنقيب والبحث في المدوّنات الثّقافيّة عنها، لهذا لا أرى أي داعٍ لنقلها نقلا حرفيًا، لذلك لا غرابة أنْ تكون لُغة الرّوايةِ واضحة وسلسة.

ومن محاسنِ الرّوايةِ أنّ الكاتبَ ينقل أحيانًا واقع التّجربة إلى واقعِ الأدبِ ولُغة الرّمز والإيحاء، وبالرّغم من أنّ توظيف الموروث الثّقافيّ خاصّة الشّعبي غاية جماليّة بالنّسبةِ إلى الأدب إلاّ أنّه جاء في هذه الرّواية التي لا يتعدّى فيها مشهدين بشكلٍ مُمل، وغير مُسوّغ، على نحو قول هند مُحذّرة ابنها بأن يحترس في ألّا يعدّ النّجوم، لأنّها ستنشر حبّات التّآليل على يديه.

أمّا المشهد الآخر فيتمثّل بنقلِ السّارد المشهد الشّعبيّ للقريةِ وهي تستقبل ظاهرة خسوف القمر بقرعِ الطّبول والهتافات الّتي تُبدد سكون الليل، بقصدِ إبعادِ الحوت الّذي يحاول ابتلاع القمر، وعلى هذا الأساس، يتنزّل المورث الشّعبي ويتمظهر في الرّواية بمظهرِ الشّذوذِ والخروج عن المألوف، لهذا خرج الموروثُ عن السّياق الرّوائي، ولا أدري إذا كان هناك ثمّة مبررٌ فنّي لمثلِ هذا التّوظيف، وعليه لا أوافق الكاتبَ على إقحامِ الموروثِ في النّصِّ الرّوائيّ بهذه الطّريقة دون هدفٍ وغاية تتلاءم ومعطيات نصّه، ويقيني لو أنّ الكاتبَ نبذ هذا التّوظيف لما فقدت الرّواية جماليتها.

المصدر: موقع عربي 21

 


أضف تعليق