تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

منهل السراج: عشت في حرب من أجل أن أكتب

منهل السراج: عشت في حرب من أجل أن أكتب

تُهدد الكتابة الزمن وإيقاعه، وتشكل مساحة يتحرر فيها المؤلف وشخصياته من أعراف وقواعد الواقع، لخلق أزمنة مائعة، يتداخل فيها الوعي والذاكرة مع المتخيّل والحكايات التاريخيّة، لتبدو الرواية أشبه بـ”اقتباس” من الزمن، تُرتجل قواعده أثناء الكتابة، فتفكك وحدة الواقع وتماسكه المنطقيّ.

نتلَمس ملامح التلاعب بالزمن والوعي لدى الروائيّة السوريّة منهل السراج في روايتها الأخيرة “صُراح” الصادرة عن دار “سرد”، حيث تكوينات الجُمل والفقرات في الرواية مختلفة عن الصيغة التقليديّة للجُملة العربيّة، سواء عبر ترتيب الكلمات أو البدء بفعل “كان” في العديد من الفقرات، وما يلفت الانتباه أن هذه الصيغة مُتقصّدة وتتكرر، وكأنها خيار جماليّ يغير من إدراكنا للزمن الذي تدور ضمنه الرواية.

تعقب السراج بقولها إن السوريين ضحّوا بكل شيء، ومن بين تلك التضحيات، التمسك بقواعد التعبير المعروفة أو المعهودة، فالكتابة لم تكن بالفعل اليسير، وقد مرّت ككاتبة بمراحل كانت شاشة الكمبيوتر فيها ترتجف للكلمة وللحرف، وكأنها كروائيّة عاشت في حرب كتابية من أجل أن تكتب.

وتضيف “مفهوم الكتابة الجمالية بالسجية يتناقض مع سلوك الحرب، ولكني فعلت وكتبت ضمن هذا المجال الخارق للأسلوب الكتابي المسيطر، كنت أقارب استطاعة المحارب وأشبهها باستطاعة الكاتب الروائي.

كما تقصّدت في بعض المقاطع أن أكتب بسخرية من كل شيء، ومرات بسخرية من القواعد كلها بما فيها مخاطر الحروب والصراعات، كنت أنظر وأتابع وأسجل ربما أكثر مما أخلق أو أبدع، أو من الممكن أن يكون الخلق والإبداع ينتشران حولي مكانيا بصورة أكثر ترتيبا مما هو عليه في الصفحة المكتوبة”.

وتتابع السراج “لم تكن تجربة سهلة، ويمكنني الآن أن أقول إنني لم أنوِ هذا، لكني فعلت وجعلت للرواية خاتمة وأرسلت العمل للنشر كنتيجة طبيعية للمرحلة، ربما كان يأسا أكثر منه طموحا أو صفاء ذهنيا، فلا يوجد روائي يستمتع بالحرب أثناء الإبداع الروائي، ولكن أن يقال: توقف الكاتب عن الكتابة، يعني أنه سيكرر الحرب مرة أخرى”.

نقرأ في الرواية عن معضلة الكتابة ذاتها، وكأن حياة صُراح بطلة الرواية تمرين على “كتابة” ما سيأتي لاحقا، كتابة لا نعرف شكلها، لكن نعلم أنها عصيّة، ما يجعلنا أمام أحجية، تحمل نوعا من الخلاص الوهميّ، وخصوصا أن صراح لا تواجه “الكتابة” ذاتها وتاريخها المنفصل عنها، بل تواجه الذاكرة والمدن وتجربتها الشخصيّة.

هنا تضيف السراج بقولها إن للكتابة الحق بأن تغير وتقلب المقاييس والمجتمعات والمدن وأن تواجه الذاكرة وأن تُرسل بعضا منها إلى الجحيم، كذلك يمكنها أن تقنع المجتمع بالقراءة ومحبة الكتاب، فالكتابة مبادرة مع الوجود أكثر مما هي مبادرة مع الأفراد أو الناس، ومبادرة مع العقول أكثر مما هي مبادرة مع الذوات، فالكتابة خرق للمألوف المراقب، ويمكن القول، إن للكتابة أسسا خاصة بالكاتب، لكنها ليست أوهاما”.

المصدر: موقع العرب


أضف تعليق