تخطي التنقل

لقد تم فتح باب الترشح في مسابقة كتارا للرواية والفن التشكيلي.

منابع الإبداع تفيض في «تجارب روائية وقضايا نقدية»

منابع الإبداع تفيض في «تجارب روائية وقضايا نقدية»

يتساءل د.خالد عبد الرؤوف الجبر في تقدمته لكتاب “تجارب روائية وقضايا نقدية” والذي ضم شهادات لعشر روائيين ونقاد عن أيهما يؤثر في الآخر: المبدع أم الناقد؟ لافتا إلى أن جانبا من المبدعين صنف كتبا تصلح تسميتها بكتب التجارب الأدبية، يتحدثون فيها عن مسيرتهم وأدبهم، ومنابع إبداعهم وبمن تأثروا وفيمن أثروا، ويوضحون مواقفهم من لغة الإبداع وأجناسه وضروبه وفنونه وتقنياته وغيرها من القضايا النقدية في جانب والقضايا الأدبية في الجانب الآخر، وفي هؤلاء نزار قباني وصلاح عبدالصبور وعبدالوهاب البياتي، وقد نضم بعض كتابات محمود درويش النثرية في هذا الباب.

وأشار إلى أن الشهادات التي يقدمها المبدعون حول تجاربهم الإبداعية لا تماثل حد التطابق كتب التجارب الإبداعية، ولكن يمكن النظر إليها بوصفها تكثيفا غير حميد لتلك التجارب، فالمساحة الميسرة للكلام على التجربة في الشهادة محصورة ـ بحكم العادة ـ في عدد محدود من الصفحات، وقد لا يفي هذه التجربة حقها. غير أن التكثيف في حد ذاته يمكن أن يشي بالإيماء كما يكشف بالتصريح أحيانا، عن مواطن اهتمام المبدع الأبرز في تجربته وعن الأطر العامة المحددة لها، وعن ثقافته ومصادرها، وعن الخطوط الحمراء والخضراء التي يسير وفقها أو يعد تجاوزها انتصارا للإبداع، وقد يخفي التكثيف كثيرا من ذلك مما قد يكشفه النص الإبداعي نفسه للقارئ بدون عناء.

يشتمل الكتاب الصادر عن مؤسسة عبدالحميد شومان على قسمين أولهما تجارب روائية يضم شهادات قدمتها نخبة من أبرز المبدعين في الأردن حول تجاربهم الإبداعية وهم: إبراهيم نصرالله وصبحي قحماوي وسميحة خريس وجمال ناجي وهاشم غرابية وليلى الأطرش وغيداء درويش، والآخر قضايا نقدية متنوعة طريفة لنخبة من النقاد هم: حسين حمودة “جامعة القاهرة”، ويوسف بكار “جامعة اليرموك”، وسمير الدروبي “جامعة مؤتة”.

يقول إبراهيم نصرالله في سياق شهادته التي حملت عنوان تأملات في التجربة الروائية ” كان مشروع الملهاة الفسطينية الثمرة المباشرة لما بعد معركة بيروت، التي فرضت حالة من الضياع والتشتت، فقد صدف أن قرأت جملة لبن غوريون يتحدث فيها عن الفلسطينيين تقول: سيموت كبارهم وينسى صغارهم. وقد اعتبرت تلك الجملة أسوأ هجاء للشعب الفلسطيني، وهي تكمل تلك الجملة التي لا يقل صهيونية “لو كان الفلسطينيون شعبا لكان لهم أدب”.

منذ أواسط الثمانينيات بدأت العمل لانجاز رواية تستطيع قول شيء في هذا المجال، وقد التقيت عددا كبيرا من كبار السن، وسجلت حوالي سبعين ساعة من الشهادات، وكانت النتيجة أكثر من ألفي صفحة من الشهادات والملاحظات، وإلى هذه الشهادات التي كنت أوجهها الوجهة التي تحتاج الكتابة إليها، كما لو أنني أقوم بعملية مونتاج فورية لحظة استماعي إليها، أي أن الوعي الفني كان حاضرا ويلعب دوره لحظة بلحظة. إلى جانب هذه الشهادات، هناك عشرات المراجع التاريخية وعشرات المذكرات والدراسات التي تناولت أدق التفاصيل في الحياة الشعبية الفلسطينية ومعتقدات الفلسطينيين من نظرتهم إلى بيت النمل وتصوراتهم للموت والحياة، وكلما كنت أتقدمت في المشروع، كنت أراه أكثر اتساعا مما ظننت، لأنني بدأت أعيه أكثر خلال العمل معه، لا من خلال النظر إليه من الخارج فحسب.

ويضيف نصرالله “إن أول فكرة حملتها حول هذا المشروع كانت فكرة تموت حين يبدأ العمل عليه، لأنني تصورت خطأ أنني سأكتب رواية واحدة تقول الحكاية، وهكذا تطور الأمر وأصبحت على قناعة بأن الفكرة الأكثر معقولية ربما، تكمن في وجود عدد من الأعمال الروائية التي تشكل بمجملها هذا المشروع، بحيث يكون لكل رواية شخوصها وأجواؤها وشكلها المختلف ومكانها وزمانها أيضا، وبالقدر الذي وجدت هذا الشكل أكثر أمانة للموضوع، فإنني وجدته أكثر تلبية لطموح الكاتب داخلي، حيث بإمكاني أن أتحرك ككاتب أيضا بعيدا عن الانحسار داخل شكل روائي، ربما يكون ثلاثية أو غير ذلك، بمعنى أنه أصبح بإمكاني أن أظل متيقظا فنيا وعلى مدى سنوات طويلة، وأن أمارس ذاتي الكاتبة في سعيي لتقديم أشكال جديدة، وسرد مختلف بين رواية وأخرى، بدل أن أتكلس لسنوات داخل شكل واحد لأن عملا كهذا هو مشروع عمر”.

وفي شهادته المعنونة بـ”متعة القراءة والكتابة” يكشف صبحي فحماوي عن تفاصيل طريقة عمله، يقول “تبدأ الرواية في ذهني مجرد فكرة، ثم تنمو من داخلها شخصيات، وتبدأ بين هذه الشخصيات علاقات تتشابك ثم تتعقد قضية أو عدة قضايا ذوات صلة، ثم يأتي الحل، وقد يكون الحل هو ترك الأمور للقارئ ليتخيل الحل الأمثل، وذلك ما تقرأه في روايتي “حرمتان ومحرم”، وإذ إن المؤلف يقول في خاتمة الرواية: “لم أعرف كيف أتصرف، ورفضت أن أتخلى عن هذه الشخصيات العظيمة، التي صارت حية تسعى لالتقاط رزقها، فتركت لها القرار لتتصرف بمحض إرادتها، وتركت القرار لك أيها القارئ العزيز لتتفاوض مع شخصياتي المبدعة، وتتفاهم معها، كيف ستكون النهاية..”. وأثناء الكتابة أحمل فكرة وشخصيات روايتي في ذهني أو مخيلتي، تماما كما تحمل المرأة جنينها في بطنها، فينضج على مهل، وكما يحتاج الجنين إلى تسعة أشهر لينضج داخل رحم المرأة، فإن الرواية تحتاج إلى ما لا يقل عن تسعة أشهر لتنضج فأستطيع بعدها أن أتباهى بشخصياتي، أولادي وبناتي الذي أبدعتهم فصاروا يمشون على الأرض”.

ويلفت فحماوي إلى أن الرواية العربية تأثرت بالرواية الغربية، وتعلمت منها، ولكن تبقى جذور روايتنا تبني على ألف ليلة وليلة التي تعلم الغرب منها فنون الرواية بصفتها “الرواية الأم”. والأدب ـ حسب رأيي ـ رسالة يوجهها الكاتب إلى القارئ، وكان معلم اللغة العربية يقول لنا: إذا كتبت رسالة بخط غير مقروء فكأنك تقول للقارئ: “تقرا وإلا، إن شاء الله ما قرأت” والأدب المفرط في الحداثة المتشظية فيه كثير من هذه المقولة”.

وتؤكد سميحة خريس في سياق شهادتها المعنونة بـ “تأملات على شاطئ التجربة” أنها كانت وفيه لذاتها وتقول “لم أحرم ذاتي من التجلي في النصوص التي أفردت لها، مثل “خشخاش”، و”الصحن” و”نحن” حين كان العنصر المسيطر هو ذات الأنثى، وهواجسها وحكاياتها الصغيرة، المريرة، فعلت ذلك دون الرجوع إلى نظرية نقدية، تقتضي مني كامرأة أن أكتب عن الإناث إنما فقط هو وفاء للذات، أكثر مما يعنيني “جندرها”.

وتضيف “مع ظهور الذات الأنثوية أو الإنسانية في كل نصوصي، كنت معنية بالنسيج العام الأوسع للكون، بالقضايا الإنسانية المجتمعية، والسياسية، والاقتصادية والفكرية والتاريخية والمعاصرة، كما في رواياتي “شجرة الفهود” و”القرمية” و”دفاتر الطوفان” و”نارة”، و”يحيي” لم أذهب إلى الهم العام تحديا لما يروج النقاد عن عجز المرأة عن التعاطي مع الشأن العام، ولكن: لأني أناهكذا معنية بالحياة في أوسع أبوابها وأعتقد يقينا أن الرواية لابد لها أن تحمل مجمل الحياة، وأنها كمشروع متكامل لا يمكنها الفرار من القضايا العامة، بل إنها اليوم تحديدا تكبر وتنشط وتصير شاغلة الناس في الشرق والغرب، لأنها تتجاوب مع حاجة التجربة الإنسانية، لأن تؤرخ وترصد وتحلل وتناقش وأن تحلم بالتغيير وتستشرف المستقبل”.

وتشير ليلى الأطرش في سياق شهادتها المعنونة بـ”تجربتي الروائية” والتي أوضحت فيها الكثير من مفاصل تجربتها الروائية، إلى أنها كتبت جزءا من سيرتها الذاتية في “نساء على المفارق”، “اخترت المرأة التي ارتبطت في ذهني بأمكنة اللقاء واتحدت فيه، ما يجمع بينهن أن كلا منهن قضية خاصة لكنها كونية عامة، والأسماء في الكتاب كلها حقيقية، ومعظمها مازال على قيد الحياة، سأكتب سيرتي الذاتية يوما حين أشعر أنني أنهيت تلك الأفكار التي تتصارع على دورها في تجسيدها على الورق وإن أمد الله في عمري حتى أنهيها سأكتب سيرتي. وربما من حسن حظي تجربتي الكتابية أن قيض لي دوما منابر إعلامية من المكتوب والمسموع والمرئي، فأثرت وعيي ومعرفتي بتجارب وشخصيات وأماكن ليست سياحية، ولكن لها سطوة وخصوصية متفردة، هذه القنوات كانت منابر للتماس الآني مع الأحداث والمتغيرات لأبين فيها وجهة نظري ورأيي.. وكفتني أن أكتب رواية بأيديولوجية.. ديدني الوحيد التجريب بالأدوات الفنية والبحث عن حرية التعبير وكسر التابوهات”.

وفي دراسته “الحنين إلى البيت القديم.. قراءة في روايات نجيب محفوظ” يرى د.حسين حموده أن تناول البيت القديم يلح على مجموعة من روايات نجيب محفوظ تنتمي إلى تواريخ صدور متباينة: “السراب” 1948 و”الثلاثية” 1956 و1957، و”أولاد حارتنا” 1959، و”السمان والخريف” 1962، و”ميرامار” 1967، و”قلب الليل” 1975، و”أفراح القبة” 1951، و”الباقي من الزمن ساعة” 1982، و”يوم مقتل الزعيم” 1975. قد تبدو هذه الموضوعة مركزية في بعض هذه الروايات وغير مركزية ـ وأحيانا هامشية ـ في بعضها الآخر، كما قد تتنوع ملامح البيت القديم، وصياغاته، وتتعدد ألوان العلاقة به، وتتباين صور أولئك الذين يعيشون فيه، أو ينتمون إليه، أو يستحضرونه من مكان آخر أو من زمن آخر، وأيضا قد تتغاير مواقعهم إزاءه ودرجة وثاقة الأواصر التي تربطهم به، أو تربطه بهم، ورغبتهم في العودة إليه أو الإمعان في النأي عنه.. إلخ، لكن يظل البيت القديم مكانا وزمانا يمثل تيمة تتردد في هذه الروايات وتسهم إلى حد بعيد في تشكيل عوالمها.

المصدر: موقع ميدل إيست أونلاين

 


أضف تعليق