تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

«ماذا عن السيدة اليهودية راحيل؟» رواية جديدة لسليم بركات

«ماذا عن السيدة اليهودية راحيل؟» رواية جديدة لسليم بركات

منذ كتابَيْه في ما يشبه السيرة الذاتية، «الجندب الحديدي»، 1980 الذي روى عن الطفولة؛ و»هاته عالياً؛ هاتِ النفير على آخره»، 1982، المكرّس للصبا؛ لم يعد الشاعر والروائي السوري الكردي سليم بركات إلى مسقط رأسه، مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، كما يعود إليها اليوم في روايته الجديدة «ماذا عن السيدة اليهودية راحيل؟»، التي صدرت مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، في 566 صفحة.

ليس هذا فحسب، بل إنّ بركات يمزج هنا بين الموضوعات الكردية المأثورة، التي تعمّق طويلاً في استكشاف أبعادها البشرية المادية والرمزية المجازية، وموضوعة حضور الجاليتين الأرمنية واليهودية في بلدة القامشلي، من خلال قصة حبّ بين مراهقَين؛ على خلفية مباشرة هي حرب 1967، وبدء عمليات تهريب اليهود من المدينة إلى تركيا، ثمّ قبرص فالولايات المتحدة؛ وخلفية أخرى أوسع نطاقاً هي نظام الاستبداد البعثي آنذاك، والذي ازداد شراسة بعد هزيمته في الحرب أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي.
هنا فقرات من العمل الجديد:
«نَزْفُ الأيقونات»، مصطلح مِن رسمِ المعجزة للمصطلحات القدسية، سارت به الألسنة في أديرة الروس، قبل تهديم البلاشفة هيكلَ الدين لينسحب الدين إلى الأديرة، والكنائس مذعوراً. أيقونات القديسين بكت دماً من أسفها، بحسب التأويل، على آثام الإنسان لم يقتنع بالفداء الأعظم افتداه ابنُ الله بجسده كفَّارة عن إثم هو أصل البلوغ بالإنسان إلى المعرفة. والإنسانُ بلا إثمٍ إنسانٌ جاهل. جهالتُه هي حصالةُ إيمانه نقياًّ من الأسئلة إن رعاها زراعةً في الأُصص، مسقيةً ماءً، مغذَّاةً سماداً، أزهَرَ التجديف فيها.
لربما استقى أساقفةُ تلخيص المعجزات الأرثذوكسيون مصطلحَ «نزْفِ الأيقونات»، من شُفعائهم الأوائلِ رهبانِ القرون الأواسط زعموا أنهم شهدوا تماثيل قديسين، بينهم تمثال العذراء، ذرفوا دماً من عيونهم الحجر. حصروا الظاهرةَ المعجزة في مسكوكٍ من الكلمات يخصُّ اليقين: «نزْفُ الأحجارِ المقدسة»، تدليلاً على الأسى الذي لا أسىً بعده من لوعة القديسين يرون إلى آثام الإنسان جاريةً الجرْيَ ذاته، في الساقية المحفورة بمِعْزق الله، من طين بداية الإنسان إلى طين نهايته.
كيهات تمنَّى حصول معجرة، كأنْ يعود أبوه إلى عمله جابياً في مؤسسة الكهرباء، أو كأن توزع الدولة التبغ مجاناً على البيوت، أو كأن يسمع نداءً من لينا بغتةً: «أحبكَ».
موسى تمنى معجرةً أيضاً، حين سمع من أخيه حكاية أيقونة شعب بوغوس، كأنْ يصيرَ أرمنياًّ تعترف الدولة بأرمنيَّته، وبحقِّه في طلب الهجرة إلى أيِّ بلد، في كل شارع فيه دارُ سينما، ومطعمُ عجَّةٍ مجاناً مع قدح من شراب اللبن. لكنه اكتفى من المعجزات بتركيب هلاليْنِ حديديين تحت أخمصَيْ كلِّ فردة من حذائه البني. أربعة أهِلَّة صغار، في الواحد أربعة ثقوب لتثبيتها بالمسامير تحت العقبين، وتحت مُقدَّميِّ الحذاء، يقرع بها موسى الأرضَ الإسفلتَ قرعاً صاخباً، ذا رنين.

المصدر: صحيفة القدس العربي

 


أضف تعليق