تخطي التنقل

لقد تم فتح باب الترشح في مسابقة كتارا للرواية والفن التشكيلي.

“شراك الهوى”.. رواية تنتقد جمود العلاقات الإنسانية

“شراك الهوى”.. رواية تنتقد جمود العلاقات الإنسانية

تسعى رواية “شراك الهوى” إلى معالجة قضايا ساخنة ترتبط بحاضر الإنسان المعاصر، وبالتحولات الجارفة التي تسوقه مرغما إلى تغيير علاقاته المباشرة مع ذاته، ومع العالم من حوله، خاصة في ما يتعلق بالوسائط الجديدة والوسائل السمعية البصرية، وتكنولوجيا الإعلام المتطورة التي تتجدد على مدار الساعة فوق ما يتخيل الإنسان، وهذا ما نجح في رصده إلى حد كبير الروائي المغربي محسن أخريف.
وإذا كانت تكنولوجيا الإعلام بشتى ما تقترحه من أدوات واستعمالات وآفاق تبدو مستساغة من قبل الإنسان الغربي لكونه عايش سياقات تبلورها خطوة خطوة وساهم في تشكلها حتى صار جزءا منها ووعى سلبياتها وإيجابياتها وتهيأ لها نفسيا واجتماعيا، فإنها بالنسبة للإنسان العربي تطرح صعوبات كبيرة على مستوى التلقي والتوظيف والتعامل، لأنه في الأغلب يعتبر مستهلكا وسائطها وأدواتها بشكل عشوائي، دون أن يكون مسهما فيها أو منتجا أو حتى واعيا السياقات التي أفرزتها، بوصفها تحولا حضاريا شاملا سينعكس على الثقافة والتقاليد والعادات وأنماط العيش.
يبدو أن التوظيف العشوائي لهذه الأدوات التكنولوجية يحول الإنسان العربي من كائن له مرجعيات وثوابت وكيان هوياتي إلى رقم مفرغ من مضمونه البشري والتاريخي، وفي الوقت الذي يفترض فيه أن يشغّلها -وفق ما يشترطه سياقه الاجتماعي والإنساني والحضاري- فإن الأمر يسير في الاتجاه المعكوس، حيث تصبح الآلة أو الوسيط هما من يتحكم في الفرد، جاعلَيْن منه لعبة تساق نحو متاهة مجهولة العواقب بعيدا عن اشتراطات اللحظة الحضارية وأسئلتها الملحة التي تضع الإنسان العربي في مأزق تحدٍ عصيب قد يعصف بهويته الوجودية والحضارية في صراع محموم صوب المواقع، ومعادلة صعبة تضيق فيها الآفاق، وتنحسر فيها الخيارات.
لقد اختارت الرواية عن وعي ملامسة هذا الموضوع في جوانب محددة من علاقة الفرد بالوسيط الإلكتروني، ولعلها العلاقة الأشد حساسية والتباسا لكونها تسلط الضوء على ارتهانات الإنسان بجسده ورغباته، وبالآخر في غموضه والتباسه وافتراضيته.
وتقوم الحكاية على مادة أساسية تشكل عجينها علاقة حب افتراضي بين شابة تدعى وفاء الكندالي وشاب يدعى كمال، وهو الراوي الرئيس في النص، ويعمل موظفا في مجلة نسائية إشهارية، ومدمن على غرف الدردشة والشات ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة مع النساء، وتبدو هذه هوايته المفضلة، حيث تعرفا على بعضهما عبر فضاءات التواصل الإلكتروني.
hستفاد الروائي في بناء هذا النص لغويا من خبرته الشعرية، لذلك جاءت لغته متفجرة ودقيقة وإيحائية في الآن نفسه، ناقلة التجربة الشعورية بنفس درامي متحول، حيث تنزاح لغة الرواية سواء في لحظات السرد أو في المقاطع الحوارية عن التقريرية، معززة قوتها الإيحائية من قدرة النسيج اللغوي على إفراز مدلولات أخرى تظل تتسع مثل الدوائر اللولبية في ذهن المتلقي. وعلى الرغم من تخطيها بالمجازات وبلاغة التدليل فإنها عذبة التناول والتداول، وسرعان ما تسرح بالمتلقي في شجون الحكي وسجونه.


أضف تعليق