إصدارات إبداعية عديدة تظهر على الساحة الأدبية في بلادنا دون أن تأخذ نصيبها من النقد، ودون أن تنال حقها من الانتشار، وهذا أمر لافت للنظر، ولا أعرف هل هذا ناتج عن عزوف المؤلفين عن الشهرة، أو عن عدم اهتمام الإعلام بهذه الإصدارات، وفي الحالتين أرى أن من مسؤوليات وسائل الإعلام والمشرفين على الأقسام الثقافية فيها، متابعة الحركة الثقافية المحلية، ونشر مستجداتها، ومن هذه المستجدات ما يصدر من كتب إبداعية وغير إبداعية، بل إن الأمر يتعدى مجرد نشر خبر عن هذا الإصدار أو ذاك، بل لابد من الاهتمام النقدي بهذه الإصدارات، لأن النقد هو الوسيلة لتقويم هذه الإصدارات، وتصحيح مسارها، لتظهر بالشكل الذي يليق بمستوى الثقافة في بلادنا، ويتيح التعريف بالحراك الأدبي في هذا الوطن العزيز، من خلال منصات التعريف، وقنوات التواصل، والانتشار في الخارج بالتعاون مع مؤسسات النشر والتوزيع في الدول الأخرى.
أقول هذا الكلام بمناسبة صدور رواية «روعان» للكاتبة د. مريم عبدالرحمن النعيمي، وهذه هي التجربة الأولى للكاتبة في كتابة الرواية، فقد سبق أن قدمت للمكتبة العربية عدداً من الكتب البحثية والإبداعية، وهي مهتمة بالشأن الثقافي بحكم دراستها الأكاديمية للأدب والنقد، وانتمائها لعضوية هيئة التدريس في جامعة قطر، وكذلك عضويتها في عدد من اللجان الثقافية في بعض مؤسسات الدولة.
ورواية «روعان» لها من اسمها نصيب، كما يقولون، فكلمة روعان هنا مأخوذة من الارتياع وفي معاجم اللغة: «روع فلاناً: أراعه، أفزعه، وأخافه». «روعان» الفتى العملاق الذي يحتار تجاهه الجميع، لماضيه المجهول.. يكاد يكون لغزاً. «روعان» – أو «مرجان» كما يسمى أحياناً – هو الشخصية المحورية في الرواية، وحوله تدور أحداث غرائبية موغلة في عدم الواقعية، ومتخمة بالمثيولوجيا وأساطير البحار، والخيال الشعبي الجامح الذي يتكئ على السحر والجن في تخطي كل ما هو واقعي ومعروف، ويمكن معرفة جانب من شخصية «مرجان» من وصف الشيخ أبو حازم له عندما قال: «هذا الفتى العملاق لغز يحيرني، إنه مثل حيوان تائه، يحاول أن يجد لنفسه مأوى في أي مكان، لكنه لا يلبث أن يستقر، كلما قرأت عليه شيئاً من آيات الذكر الحكيم ينام، ولا أفهم كلمة مما يهمهم به أثناء نومه، كأنه مرتعب من أمر ما. لا أعرف عن حياته السابقة أي شيء يعينني على علاجه مما هو فيه، ولا أستطيع سؤاله مباشرة، لأنه كتوم جداً، حتى عندما يتألم يبلع آهاته وأناته).
عالم «مرجان» عالم غريب، يمكنك أن تتعرف على متاهاته إذا قرأت هذه الرواية الممتعة، بأسلوبها الجميل، وتصويرها الدقيق للأحداث.
مقال رأي للكاتبة الدكتورة كلثم جبر نقلا عن صحيفة الراية القطرية
