تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

دار الآداب تصدر رواية “بعيدا من الضوضاء”

دار الآداب تصدر رواية “بعيدا من الضوضاء”

ينبش المغربي محمد برادة في روايته “بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات” تاريخ المغرب الحديث منذ فجر الاستقلال حتى انطلاق شرارة الثورات العربية، متحليا بهدوء المؤرخ في المقاربة والملاحظة والتحليل رغم استعراضه شخصيات تتأرجح بين اليمين واليسار، وما بينهما من ممارسات سلطوية متقدمة عليهما معا، ترتهن لرغبات الحاكم وسياساته وتدور في فلك تأطير الناس وتحجيم آمالهم بالتغيير، ودفعهم إلى عتبات اليأس لما يوضع في سبيل التغيير من مشقات وعراقيل من شأنها التسبب باختلاق وقائع دموية تذكر بأزمنة الرصاص التي أصبحت نقطة قاتمة في تاريخ البلاد الحديث. يقدم برادة في روايته -نشرتها الآداب، بيروت 2014- مقاربة روائية لتاريخ بلاده عبر شخصية مؤرخ شاب يسعى إلى استجلاء التفاصيل وكشف النقاب عن الأسباب التي تبقي البلاد بعيدة عن تحقيق آمال أبنائها، مقتحما مناطق معتمة في النفوس، كاتبا ما يتم التكتم عليه. يستهل الروائي بحديث بطله الذي سيشتغل مع مؤرخ عجوز يطلب منه جمع مادة ليعتمدها في التحليل والبرهنة والمقارنة، مستهديا بثلاثة أسئلة: ماذا تعني مقاومة الاستعمار وما الذي كنت تنتظره من الاستقلال؟ كيف ترى أن الأزمة تعبر عن نفسها الآن من خلال الواقع اليومي؟ هل نتوافر على الشروط الضرورية للانخراط في الألفية الثالثة؟ يبدي الكاتب الشاب حماسا للعمل مع أستاذه الرحماني، ويؤكد له أن أسئلته تلك تشغله كمؤرخ مبتدئ، وأنه سيبذل جهده ليستقي الأجوبة عبر معالم تضم تشكيلة اجتماعية متنوعة. وحين يستعيد الشاب ما دار بينه وبين أستاذه ينتهي إلى أن مقصده من مشروعه هو الوصول إلى معرفة العوامل التي جعلت فترة مقاومة الاستعمار أفضل من حاضر الاستقلال، ويطرح بدوره بعض الأسئلة في محاولة لتفهم ذلك، من قبيل: هل هي نوعية المناضلين ومعدن القيادة؟ أم هي الأهداف التي كانت تتخايل للشعب من وراء إنهاء الحماية الفرنسية؟ لا يجادل أستاذه في رؤاه وغاياته، ويضمر رأيه في الأمر، وهو الذي يعتقد أن الانتقال تعثر لأن شروطه لم تكتمل عندما كان الشعب في غمرة أحداث متلاحقة يصعب التحكيم فيها أو تخمين عواقبها. يوسع الشاب نطاق الاستطلاع والمحاورة، يسجل تأملاته وافتراضاته عن الخمسين سنة التي تلت الاستقلال، يبدأ بدوره بمساءلة نصف قرن عبر حيَوات بعض من عايشوا تلك الحقبة من مواقع ومسارات مختلفة، مستعينا بالحكايات الكثيرة التي يسمعها في كل مكان يذهب إليه، يحدث نفسه لماذا لا يكتب رواية تسائل كتلة سنوات هذا التاريخ الذي يعتبره الجميع أساسيا والذي رغم قربه يبدو غامضا ملغزا مثيرا للجدل والخصام والأحقاد. يلتزم الراوي بفكرة السرد المتزامن الذي يجعل الأحداث والوقائع والشخوص تجري وتتحدث في الآن نفسه، خاصة أنها تنتمي للبلاد والتاريخ نفسها، ويؤكد أن الكلام سيمايز بين الشخصيات والحقب، وأن الحوار والسرد في صيغة الحاضر سيضعان التاريخ في فضاء واحد، وسيتيحان للقارئ أن يقارن ويستنتج ويتفاعل.


أضف تعليق