تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

حسن داود باحثاً عن السرد في سفينة الذات

حسن داود باحثاً عن السرد في سفينة الذات

في الرواية الجديدة للكاتب حسن داود الحائز على جائزة «نجيب محفوظ» للأدب عام 2015، وهي بعنوان «في أثر غيمة» الصادرة العام الماضي (2017) عن دار الساقي يختار أن ينخرط في مغامرة سردية لم يسبق له في ما خبره من أعمال روائية سالفة– منذ روايته الأولى «على شرفة آنجي» وبناية ماتيلد و«مئة وثمانون غروباً» و«أيام زائدة».

تُدخل رواية حسن داود القارئ في عالم من مشاعر بل في سيرورة من المشاعر تخلق الحدث أو تضفي على ملامحه (الحدث) الضئيلة ما يجعله جديراً بالحياة والنماء والتصاعد الهادئ، وصولاً إلى التحوّل. ولربما سوف يسعى الباحثون في ما بعد إلى درس ظاهرة «التحوّل» البطيء الذي يصيب الشخصية الرئيسية في روايات حسن داود من مثل «أيام زائدة» و «لا طريق إلى الجنّة» و «نقّل فؤادك»، إضافة إلى رواية «في أثر غيمة» التي نحن بصددها. ولو شئنا أن نمضي في سرد الحبكة الرئيسية التي تتمحور حولها الأحداث ولو أردنا الحديث عن الإطار المكاني الذي شرع المؤلف في رسمه مسرحاً لهذه الأحداث لقلنا أن لا مكان حقيقياً أو طيفياً في رواية «في أثر غيمة» وفي أغلب رواياته الكاتارثية أي المفعول التطهّري ذاته على ما وصفه أرسطو في كلامه على الدراما المسرحية. لا مكان حتى إن مضى الكاتب في بناء ذلك الوهم بالمكان على امتداد الرواية وببراعة المخرج السينمائي الذي يسلط كاميرته من البعيد ومن أعلى، لتتبدّى الباخرة للناظر من المستوى الإجمالي العام ولا تلبث أن تهبط لتلتقط تفاصيل أكثر دقة وصغرا ونفاذا كلّ مرة. وبهذا المعنى تخلق كاميرا حسن داود المكان على عموميته، فيصير خاصاً وحميماً وتبتدع مشاهد كمشهد القرية التي صادفتها الباخرة بوجودها إلى إحدى ضفتيها، فتغدو ممكنة التصديق وقابلة لأن تمثّل لو أوتي له مخرجٌ متمكّن.

لا فصول في الرواية. ولا ترقيم ولا تبويب. ثلاث نجوم مطبعية تفصل كل مشهد روائي عن آخر. وقد يكون المشهد كناية عن ليلة سردية تضاف إلى ليلة في مجرى كتابي يعرف مساره غيباً، كما تعرف مياه النهر مصبّها الأخير. ذلك أن مفهوم الرواية الاستبطانية القائمة على التحوّل الداخلي الذي يصيب الشخصية الرئيسية في الرواية بمثل ما يصيب الشخصيات المحيطة بها، لا يستدعي بالضرورة تأطيراً نمطياً كالذي ذكرناه، فالراوي سالم الذي خبِرَ وحدته على متن الباخرة وقاسى نظرات الأزواج إليه وضاق مرارات الفشل من نيل الحظوة لدى «لمى»، في خلال السهرات المتعاقبة والحفلات الراقصة التي كان يمتنع عن الدخول في حلبتها الصاخبة ثم أيقن بوجود عقود مضمرة بين من اصطفاهم (لمى على سبيل المثال) لرفقته القصيرة وبين عتاة ومشتبه بشخصياتهم الأولى التي يظهرونها للناس.

المصدر: صحيفة الحياة اللندنية

 


أضف تعليق