تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

“حب..” سمير قسيمي بين الوجود والعدم

“حب..” سمير قسيمي بين الوجود والعدم

يركز الجزائري سمير قسيمي في روايته “حب في خريف مائل” على صراع الهامش والمتن، يسلط الأضواء على هوامش متعددة في مساهمة لإعادة الاعتبار إلى الشخصيات التي طحنتها دوامة الحياة في ظل الإقصاء والتجاهل، ويأتي اشتغاله على عوالم التهميش قلبا للمعادلة التي تسقط فئات الشعب المختلفة من أطرافها وعناصرها، وتظل وقفا على أولئك الذين يحتكرون الامتيازات بهذه الحجة أو تلك. وفي استكمال للعبة الهامش والمتن تحضر خدعته الروائية حين يوحي للقارئ أن هناك من كتب الرواية، وهو المؤلف الضمني الذي يضعه في الصدارة “نور الدين بوخالفة”، بحيث إن الروائي ينوب محله، ويكتب عنه حكايته، أو الحكاية التي كان يفترض أن يكتبها، ويستمر في لعبة الإيحاء بين المؤلف الحقيقي والضمني في الرواية، بحيث يتحول الراوي إلى محرك للخيوط وناسج للأحداث، والكاتب المفترض إلى مستمع وناسخ للحكايات وناقل تالٍ لها. يسعى قسيمي في روايته إلى تصوير تاريخ بلده الحديث من خلال شخصية بطله العجوز، وتظهير الصور من أكثر من مكان في البلاد، ملتقطا ملامح المتغيرات ومعالم المنعطفات المهمة، وكيف انتقل البلد من مرحلة التأسيس المفترضة إلى التنكيل بأبنائه عبر إغراقهم في سجون البحث عن مأوى ومطعم، مما أدى إلى تبديد الطاقات عوضا عن إيجاب استغلالها وتوظيفها في بناء الدولة والمجتمع. يتأرجح بطل الرواية بين الوجود والعدم، يبحث عن معنى لوجوده في ظل العدم الذي يشعر به متعاظما في داخله، ولا ينطلق من نظرة تشاؤمية عدمية لتحليل العالم وتفكيك عناصره وأدواته، بل يتنامى لديه شعور باللا جدوى إزاء ما يعيشه وما يعمله، ذلك أن معاناته تفقده المباهج وتبقيه أسير هواجسه وقلاقله. يُكثر قسيمي من الحوارات في روايته كأنه بصدد مسرحة فصول منها، وتكون الحوارات بمثابة إعطاء هامش أكبر للشخصيات كي تعبر عن نفسها بعيدا عن وصاية الروائي، وإفساحه المجال لبطله العجوز كي يكمل تمرده المتأخر وثورته وهو ينازع أنفاسه الأخيرة، ويؤكد أن الإكثار من الجدران المكهربة داخل المرء نفسه، وداخل المجتمع ذاته يحوّل كل شيء إلى قنابل موقوتة تنفجر عند أي تماس.


أضف تعليق