تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

انكسارات صبي.. تكسر فنية الرواية

انكسارات صبي.. تكسر فنية الرواية

تمثل رواية “انكسارات صبي” للروائي نديم نجدي والصادرة عن دار الفارابي، محوراً حول القضايا الإنسانية وجيلاً عاش في مرحلة الحرب والذي تكدست عليه ازمات داخلية بسبب ما يعيشونه من هزائم وانكسارات، وكان دخولهم الحرب نتيجة لردات فعل نفسية بالإضافة إلى الانتماء والحزبية منطلقاً الراوي بالرواية من شخصية البطل “موسى”.
تتوالى الأحداث في مراحل زمنية متتالية تركت بصمتها على جبهات من عايشوها، وأمكنة أُجبروا شخوص النص على تركها ليقطنوا في أماكن بعيدة عن المكان الذي تربوا فيه، بدءًا من انسلاخهم عن محيط العائلة الضيّق والاقامة في مدرسة رهبانية داخلية، لم تجعل من قاطنيها سوى عصابيين وجدوا أنفسهم خلف متاريس الحرب الّتي دخلوها اثباتًا للوجود وردة فعل نفسية تعود أسبابها الى اضطرابات طفولية، ليموت فيها الشريف حسب مفاهيمه وعقائده.
و ظلّ من شاءت له الاقدار بالعيش متنقلا بين اصقاع الأرض تحمله الانكسارات والهزائم وفي داخله الحنين إلى ماضٍ لم يبقى منه سوى الذكرى.
هذا هو الموضوع الرئيس الذي تفرّعت منه موضوعات أخرى استطاع الكاتب أن يقحمها مسرح الأحداث، ناصبًا جسورًا بينها وبين الموضوع الأساس، ومن هذه الجسور ما كان متينًا فنجح، ومنها ما كان ضعيفًا فأخفق في عملية الربط، ما جعل العديد من الأحداث والشخصيات زائدة، ما كان غيابها، لو حصل، ليؤثّرَ في مجريات الحوادث والحبكة.
وعلى الرغم من أهمية الموضوع المطروح، الا أن الكاتب أضاف إليه قدراته العلمية والمهنية في علم النفس والفلسفة، مما جعل روايته منبرًا لإعلاء صوته المهني. وهكذا ترك الفنية الروائية تتقلّص لصالح الطرح والفكرة، متجاهلا أن موضوع الرواية ليس سببًا من أسباب نجاحه، فالموضوعات مطروحة في الطرقات، إنما الفنية الروائية هي التي تجعل الموضوع متميّزًا وتجعل النص محلّقًا فوق سحاب الجمال. لكن الكاتب، وعلى عكس المألوف، عطّل لاوعيه واعتمد الوعي، ليستحيل نصه كتلة من المفاهيم والمصطلحات النفسية التي أتخمته متدخّلا من دون مسوّغات عبر ضمائر المخاطب والمتكلّم، فخلط بين نص روائي ومحاضرة علمية، إذ تنحّى السرد كثيرا وتوارى الحوار الا في حالات قليلة، لصالح التبئير المباشر من الكاتب وليس من الراوي الذي لم يخلق شخصيات تصل عفوًا الى مرضها، بل خلق أمراضًا عصابية وذهانية وجعل لها قوالب بشرية ليظهر براعة علمية، فاستحالت الرواية حقلاً بعيداً عن ايجابية المشاركة الإيجابية للمتلقي، بل ارتفع فوقه بطريقة نرجسية، محلّلا ما ينبغي ان يحلّله القارئ، عارفًا وعليمًا بكل شيء، حتى صارت الرواية كمرجع لعلم النفس التربوي والعيادي والأدبي. ولم تظهر الفنية الا في المقطع الأخير حين جعل النهاية مفتوحة وغامضة ولكن بطريقة متصنعة نظرا الى ما اقترفه الكاتب من هفوات فنية في باقي المتن، فلماذا انعدم علمه المطلق في النهاية؟


أضف تعليق