تخطي التنقل

لقد تم غلق باب الترشح في الدورة العاشرة.

“الدفنة” رواية تختزل تاريخ البحرين الحديث بسياق درامي

“الدفنة” رواية تختزل تاريخ البحرين الحديث بسياق درامي

صدرت مؤخّراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت رواية “الدفنة” لكاتبها فواز الشروقي، وهي الرواية التي تقع في فصلين طوال، يمثّل كلّ منهما مرحلة طويلة، ويزخر كلّ فصل بكمية كبيرة من الأحداث يبرع الشروقي في ربطها بالأحداث الكبرى الجارية في البحرين وفي المنطقة وفي العالم، وذلك في لغة متينة غير متكلّفة، تمكّن فيها الشروقي من مجاورة العامية في الحوارات دون أن ينزلق إليها، في سياق درامي مشوّق ومحفّز للمتابعة، يجعل القارئ يندمج مع أحداثها ولا ينتهي من مشهد إلا ويتساءل ما الذي سيحدث في المشهد الذي يليه.لماذا الدفنة؟يأخذك العنوان إلى عدّة تساؤلات، ما المقصود بالدفنة؟ هل هي المنطقة الواقع في رأس المحرّق بين بداية شارع المطار إلى السوق المركزي؟ هل اختار الشروقي اسم الدفنة لأنّ الأحداث تدور في هذه المنطقة؟ أم أنّ للعنوان دلالات أخرى؟يبدو لي أنّ الدفنة لا تشير فقط إلى المنطقة، وإنما تشير إلى ما يريد ساكنو المنطقة من شخصيات الرواية أن يدفنوه دون أن يستطيعوا، وهذا ما يشير إليه الشروقي بوصفه منطقة بيوت الإسكان، مسرح الرواية، بأنها تجمّع لعوائل من مختلف مناطق البحرين يختلفون في كلّ شيء ولكنهم يتفقون في أنّ لكلّ منهم مشاكله التي أتت به إلى هذه المنطقة.ومثلما يأخذك العنوان إلى تساؤلات عدّة، فإنّ مقدّمة الرواية تأخذك إلى عوالم عدّة للإجابة عن سرّ البدء بحكاية الخاتم الذي يجده البطل “سلمان” في سيارته والمكتوب عليه اسم “هناء” حبيبة الطفولة. فما السبب الذي يجعل الشروقي يبدأ بهذه الحكاية التي تشبه القصص الأسطورية. ولكن قراءة الأحداث الأخرى تجعل القارئ يتدحرج كتدحرج الخاتم من فصل إلى فصل ومن مشهد إلى مشهد إلى أن يُكمل هذا المشهد شبه الأسطوري بحكاية أسطورية حول الفتاة التي تمّ إرغامها على الزواج ثم ابتعلت خاتم الزواج ورمت بنفسها في البحر وتحوّلت إلى سمكة. وهي الأسطورة التي دارت أحداثها – حسب الشروقي – في منطقة الدفنة. إلى أن تنتهي الأحداث بوقوع الخاتم في يد هناء.الملفت في الرواية أنّ الزمان بها طويل جداً، حيث أنّ الرواية اختزال لتاريخ البحرين الممتدّ من نهاية سبعينيات القرن الماضي إلى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، بكلّ ما يضمه هذا التاريخ من أحداث جسام في البحرين وفي المنطقة وفي العالم، ومنها سقوط الاتحاد السوفييتي واحتلال الكويت وانهيار برجي مركز التجارة العالمي والحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق، إضافة إلى سقوط طائرة طيران الخليج في ساحل الدير وانقطاع الكهرباء عن جميع مناطق البحرين وغيرها من الأحداث المحلية. ويربط الشروقي ببراعة كلّ هذه الأحداث ببراعة مع قصص الحبّ التي عاشها البطل سلمان والأحداث التي دور حولها، خصوصاً في الفصل الثاني الذي تنفصل فيه قصة سلمان عن قصة هناء في مسارين متجاورين ولا يلتقيان أبداً إلا في نهاية الرواية في سرد يحبس الأنفاس.
وبقدر تنوّع هذه الشخصيات فإنّ القارئ لا يشعر إلا بوجود هذه الشخصيات على أرض الواقع، ويعتقد أنه بمجرّد نزوله إلى مناطق الرواية فإنه سيجدهم جميعاً.لا أحد يقرأ الرواية ويسترسل بها إلا وتصدمه النهاية غير المتوقّعة. وكما أنّ الرواية بأكملها مشوّقة، فإنّ النهاية تشرع الباب للتساؤل: “وماذا حدث بعد ذلك؟”، وكأنّ الشروقي يعدنا بجزء ثانٍ من هذه الرواية، ربما في منطقة الدفنة نفسها، أو ربّما في منطقة أخرى.


أضف تعليق