تخطي التنقل

لقد تم فتح باب الترشح في مسابقة كتارا للرواية والفن التشكيلي.

أمير تاج السر يكتب: الشعر والرواية

أمير تاج السر يكتب: الشعر والرواية

إجابتي على سؤال الفرق بين الشعر والرواية، الذي يواجهني كثيرا، هو أننا من المفترض أن لا تقدّم صنفا على صنف، فالشعر له ميزة ابتكار الصور الفنية العالية الجودة، والسمو بالمفردات العادية لجعلها تحلق بعيدا، وهو أساس نبش الخيال وإعادة إنتاجه، وهو أيضا ركيزة في فن الغناء الذي نعشقه جميعا.

فحين تقرأ قصيدة مثل “مديح الظل العالي” لمحمود درويش، أو “أعشاب صالحة للمضغ” لمحمد سليمان، أو أي قصيدة أخرى لأحد الشعراء المجيدين، تحسّ بتلك الأجنحة التي ارتدتها المفردات وحلقت بها، وتحس أيضا بأن لديك جناحين تشارك بهما في التحليق.

ورغم أن محاولات عديدة وكثيفة جرت لتخريب الشعر في السنوات الأخيرة وأفقدته الكثير من هيبته القديمة، وتشرد كثير من متذوقيه، فإن وقع القصيدة الحقيقية يبقى، وما زال ثمة شعراء يكتبون تلك القصيدة الواعية، وتوزع كتبهم أفضل من الكتب السردية.

أيضا هناك مواضيع هامة يمكن أن يلخصها الشعر في ومضة، بينما تحتاج لرسم مجتمع وشخصيات وحوادث من أجل الحديث عنها في الرواية، مثل مواضيع السجن والنفي والتشرد وغيرها من المواضيع التي باتت من أهم سمات هذا العصر. وأقول إن ومضة الشاعر ستكون سهلة الوصول إلى المتلقي ولن تحتاج لوقت، بينما صفحات السارد قد تحتاج لذهن مفتوح، ووقت طويل من أجل دحرجة الفكرة إلى ذهن المتلقي.

لذلك ورغم أن سكك الإبداع باتت تبدأ الآن من الرواية، وبرغم من أن عددا لا بأس به من الشعراء المترسخين في كتابة القصيدة وضعوا أقدامهم في درب الرواية، فإن عددا آخر لم يفعل وظل محافظا على موهبته الشعرية ويسعى لتطويرها، من أجل تلك الومضات التي ذكرتها، والتي تغني- بلا شك- عن وقت يحتاجه الشخص ليفكر في كتابة رواية، ثم يكتب خطوطها العريضة، وأخيرا يحاول إنجازها كاملا، وربما ينجح في ذلك وربما لا ينجح، ويتحول ما كتبه إلى مسودات ربما تضيع بمرور الزمن.

إذن بخصوص هذا السؤال -أي ما يقدمه الشعر وما تقدمه الرواية- أعتقد أنني أجبت، فكلٌّ يقدم حسب طاقة تحمله، وما يحمله من صفة إبداعية، وكلاهما أمر مبدع بلا شك.

مقال رأي للكاتب والروائي السوداني أمير تاج السر نقلا عن صحيفة الشرق القطرية


أضف تعليق